نواصل بعون الله وفضله وتوفيقه نشر الحلقة الخامسة من سلسلة الهجرة.
الرسول في المدينة:
ما إن وصل النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - المدينة في ضحى يوم الإثنين، الموافق (١٢ من ربيع الأول للسنة الأولى من الهجرة الموافق ٢٤ من سبتمبر ٦٦٢م) حتى بدأ العمل الجاد ، والسعي الدءوب ، حتى أكمل رسالته على نحو لا مثيل له في تاريخ الإنسانية.
فكيف غير تاريخ الهجرة النبوية مجرى التاريخ؟ ولم تكن يثرب عندما نزلها النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - مدينة بالمعنى المعروف ، وإنما كانت واحات متفرقة في سهل فسيح يسكنها قبائل الأوس والخزرج والجماعات اليهودية ، فنظّم العمران بالمدينة ، وشق بها طرقا معبّدة ، وكان المسجد هو الأساس في هذا التنظيم ، انتظم حوله عمران المدينة الجديدة ، واتسقت شوارعها. وكان هذا المسجد هو مقر الرئاسة الذي تقام فيه الصلاة ، وتُبرم فيه كل الأمور ، وتُعقد به مجالس التشاور للحرب والسلم واستقبال الوفود ، وبجوار المسجد اتخذ النبي مساكنه ، وكانت متصلة بالمسجد ، بحيث يخرج منها إلى صلاته مباشرة ، وأصبح من السُنّة أن تُبْنى المساجد وبجوارها بيوت الولاة ودواوين الحكم. ثم أصلح النبي ما بين الأوس والخزرج وأزال ما بينهما من عداوة ، وجمعهما في اسم واحد هو الأنصار ، ثم آخى بينهم وبين المهاجرين على أساس أن المؤمنين إخوة ، وكانت المرة الأولى التي يعرف فيها العرب شيئا يسمى الأخوة ، دون قرابة أو صلة رحم ، حيث جعل كل رجل من المهاجرين يؤاخي رجلا من الأنصار ، فيصير الرجلان أخوين ، بينهما من الروابط ما بين الأخوين من قرابة الدم. وبعد المؤاخاة كانت الصحيفة ، وهي الدستور الذي وضعه النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - لتنظيم الحياة في المدينة ، وتحديد العلاقات بينها وبين جيرانها ، هذه الوثيقة لم يُمْلِها النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - إملاء ، وإنما كانت ثمرة مناقشات ومشاورات بينه وبين أصحابه من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، وكلما استقروا على مبدأ قام الرسول بإملاء نصه على علي بن أبي طالب ، وشيئا فشيئا اكتملت الوثيقة ، وأصبحت دستورا للجماعة الجديدة.
وإن شاء الله تعالى فى الحلقة القادمة سنتعرف إلى نتائج هذه السياسة والفرق بين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة فإلى اللقاء غدا أستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق