« نكبة هذا الزمان »
إنما ما يقع في العالم في القرن ( 14 هجري/ 21 م ) هو أسوأ فترة زمنية تمر بها الأمة العربية والإسلامية جمعاء بدون استثناء مند تاسيس الدولة الإسلامية الكبرى و العظمى على يد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن...فرغما النكبات الكبرى التي مرت بها الأمة العربية والإسلامية إلا أنها كانت تقوم من بعد هذه النكبات التي كانت تصيبها ولو بعد فترة من الزمن .. حيث كانت لا تقوم من تلقاء نفسها ولكن كانت تقوم بسبب رجل مؤمن قوي حكيم .. يعظها فتتعظ ويذكرها فتذكر ويدعوها للقيام فتقوم ويأمرها بما أمر به الله ورسوله المؤمنين بأن يقفوا في وجه العدو صفاً واحداً ولا يولونه الأدبار .. فتتذكر بعد التذكير وتستجيب لأمر الله ورسوله فتستيقظ الأمة الإسلامية ثم تقوموا على أقدامها من جديد بعد كل سقوط .. كأنها لم تسقط من قبل ، فتعلن النفير العام ضد العدو الكافر والظالم .. فهؤلاء هم المسلمون والمؤمنون الحقيقيون و الصادقون أبناء هذه الأمة الوسطى .. لهذا هم الأعلون دائماً وابداً في جميع أحوالهم حتى في مرحلة الهزيمة كما أخبر الله تعالى أهل غزوة أحد رغما إنهزامهم انهم هم الأعلون عند الله لأنهم مؤمنون لا يستوي اصحاب الإيمان وأصحاب الكفر عند الله و لا يولون الأدبار لعدوهم وعد الله رغما ضعف قوتهم وقلة إمكاناتهم االقتالية .. ورغما ما يصيبهم من القتل والظلم والخوف والجوع .. لأنهم يعلمون أن ما أصابهم هو ابتلاء واختبار لهم .. لهذا هم لا يستسلمون لعدوهم في كل احوالهم .. وهم ثابتون على دينهم صابرون على حالهم .. فهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صار على منهجهم وقتفى آثارهم .. والسبب هو أنه كلما كانت طاقة الإيمان الباطنية مرتفعة عند المؤمنين فإنهم لا يهبون عدوهم ولا يخفون الموت بل يحبون الشهادة في سبيل الله وقد بشر الله المؤمنين بأنهم هم الأعلون في جميع أحوالهم لأنهم أهل الإيمان.. وصبرهم على القتل والجوع يرفع درجاتهم عند الله وإن قتلوا فالقتل يبلغهم الشهادة .. و ما النصر إلا من عند الله، وكما قال الله تعالى ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ آل عمران (139) . أي : ولا تضْعُفوا أيها المؤمنون في أي زمان ومكان عن قتال عدوكم، ولا تحزنوا لما أصابكم من عدوكم .. ومن الخدلان من إخوانكم المسلمين الذين تقاعسوا عن نصرتكم . ولعلى من أكبر النكبات الأول التي كان لها الوقع الشديد على الأمة العربية والإسلامية هو موت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وما ادراك ما موت رسول الله الذي زلزل قلوب أصحابه مقربين زلزالاً شديداً قبل قلوب غيرهم .. ومنهم فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد حمل سيفه و قال « من قال أن محمداً مات ضربت عنقه » فكان من مخلفات هذه النكبة العظيمة هي ارتداد كثير من القبائل وكثير من الناس عن الإسلام بعد علمهم أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ، لكن أبى بكر الصديق وقف وقفت الرجل المؤمن الصادق القوي في هذه المصيبة المؤلمة والمحنة العظيمة التى تمر بها الأمة الإسلامية بعد موت رسول الله وقال قولته الشهيرة بعد أن صعد المنبر وتلا قوله تعالى ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ آل عمران (144) . ثم قال « أيها الناس من كان يعبد محمد ، فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت » فهذه الوقفة الصادقة .. هي وقفة الأبطال تحسب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقف ووقف مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وهم يعانون من ألمِ الفراق ، فراق نبيهم وحبيبهم ومربيهم ومعلمهم معنى الإيمان القوي بالله وعلمهم كذلك الصبر على ما يصيبهم من المصائب.. فحاربوا أهل الرد والنفاق بيد واحدة وقلب واحد .. حرباً شديدة حتى رجع من رجع من المرتدين وقتل من قتل منهم وبالخصوص الذين كانوا يدعون النبوة كذباً على الله وعلى الناس فتبعهم من تبعهم من أصحاب الأهواء والمنافقين والجهلاء وحديث عهد بالإسلام .. و منهم من جمع جمعاً عظيماً لضرب الإسلام والمسلمين.. لكن خلفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى بكر و الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، ضربوهم ضربة واحدة حتى أفنوهم فلم تقم لهم قائمة ولم يجرؤ أحد من بعدهم أن يفتر النبوة على الله وعلى الناس كذباً ، وهذا إذا ما دل فإنه يدل على أن أعداء الإسلام في الحاضر والمستقبل كما في الماضي يجب أن يضربوا من طرف المسلمين بالقوة .. و بيد واحدة وقلب واحد ضربةً تشتت شملهم وتدخل الرعب في قلوبهم .. فهم قوم مرضهم الشتات وبأسهم بينهم شديد .. كما قال الله فيهم ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴾ الحشر (14) . و لا يستسلمون إلا لمن هو اقوى منهم، ويعلمون أن الاتحاد هو أساس القوى لهذا اعداء الاسلام والمسلمين يتحدون ضد الإسلام والمسلمين في جميع الأزمنة والأمكنة لإضعافهم والقضاء عليهم وهذا ما نشاهده الآن ، لكن المسلمون في هذا الزمان تفرقوا تفرقا كبيراً وتشتتوا تشتتاً خطيراً.. وهذا كان من فعل فاعل.. فكان هو السبب الرئيسي في ضعفهم بحيث لم يعودوا أمة واحدة كما أمرهم الله قوله تعالى﴿ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ﴾ . وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » فأين تلاشى هذا الجسد الواحد اين..!؟ الذي كان في الماضي جسداً واحداً إذا نادى جزء منه قال الجسد بأكمله لبيك لبيك .... فأين هذا الجسد الآن وجزء منه ( أهل غزة ) يحترق بنار الأعداء... وباقي الجسد يتفرج ولا يحرك ساكناً.. فإن اتحاد اعضاء الجسم بأكمله ينتج عنه قوة في المناعة التي تسرع من عملية القضاء على الجراثيم والمكربات التي تحاول استفراد بجزء من هذا الجسم .. وقد انفرد بجزء منه هو يعتبر أصغر جزء في الجسد لكن اقوى جزء فيه وأفضل لأنه يرفع راية الجهاد في سبيل الله ولم يستسلم كما إستسلم باقي الجسم الكبير المختلط بين العرب والمسلمين رغم أن الجزء العربي منه هو أقرب إليه نسبا و دماً من الجزء الأخر، والحقيقة أن المسلمين اليوم صاروا أجسادا كثيرة متفرقة كل جسد استقل بذاته ونعزل بنفسه وقطع سيلة الوصل مع الأعضاء الأخرى كأنها ليست منه، فلم يعد للمسلمين الآن جسد واحد وهذه حقيقة .. وكما أن بعض المسلمين خرجوا عن جماعة المسلمين من قبل خطأ وتعصباً وجهلاً في الفهم عن جماعة المسلمين وفرقوا دينهم شيعاً وفرقاً وقد كان هذا زمن الصحابة وهم لازالوا إلى الآن وأبو الرجوع إلى جماعة المسلمين فأحدثوا في دين و وقعوا في البدع وانحرفوا عن الطريق المستقيم بالرأي وسوء الفهم . وكذلك من أكبر النكبات سقوط الخلافة العباسية على يد المغول في القرن السابع الهجري.. (656 ) والاستيلاء على بيت المقدس .. وغير ذلك ، لكن المسلمين كانوا كلما وقعوا قاموا بعد فترة من الزمان والمسلمون لا اقصد بهم العرب فقط بل كل من كان دينهم الإسلام ولو كان من اصل غير عربي.. فالعبرة بالدين لا بالأصل .. فكانوا يقمون من بعد كل هذه النكبات الكبيرة.. ولعلى دعوة صلاح الدين الأيوبي المسلمين للجهاد في سبيل الله من أجل استرجاع بنت المقدس نالت قبولاً واسعاً من جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. فخرجوا صفاً واحداً ينصرنا الله فنصرهم الله واسترجوا بيت المقدس إلى حضن الإسلام.. لهذا كان اتحاد المسلمين في عصر الإسلام الذي وصل إلى القرن 14 هجري ولازال قائماً بفضل الله لأن القرآن الكريم والسنة لازالا هما كتاب هذا العصر لأن العصر لا يتغير فعصر الإسلام عصر واحد حتى قيام الساعة لكن الأزمنة هي التي تتغير .. ، واتحاد المسلمين بقول و الفعل هو السبب الرئيسي في قوتهم وتفرقهم هو سبب ضعفهم فهذه اعتبرها قاعدة عامة لا تتحقق إلا بتحقيق شروطها.
وهذه النكبة العربية والإسلامية الكبرى في القرن ( 14هجري / 21 م ) هي اسوأ نكبة على الإطلاق منذ ان تأسست الدولة الإسلامية العظيمة إلى الآن.. بحيث لم تستطع 22 دولة عربية وإسلامية الوقوف في وجه عدوها و الكفر ملة واحدة ولو اختلفت المكان والزمان طلما يعين بعضهم بعضاً على القضاء على الاسلام وعلى المسلمين .. بالقتل والحصار والتجويع ... واعلم إن كنت لا تعلم أنه لن تتحقق للمسلمين القوة والغلبة على أعدائهم حتى تتحقق القاعدة التي ذكرت من قبل، لأن الدول العربية والإسلامية أصبحت لا تزن شيء في ميزان اعداءها مهما تدللت إليهم وقدمت إليه من الهدايا والأموال.. فإنه حين يحين وقتها فإنهم ينسون كل شيء ويقومون بضربها بمختلف انواع الأسلحة .. قلت أن الدول العربية والإسلامية لا تزن شيء في ميزان عدوها ولا يهتم لقولها ولا طلباتها .. فقرابت سنتين وهي تطلب من عدوها وقف الحرب على سكان إخوانهم في غزة المحاصرة فهل استجاب العدو لطلبهم وتوسلهم إياه الجواب كل يعرفه والسبب أن الدول العربية والإسلامية لا وزن لها عند عدوها بسب تفرقها في جميع المستويات .. والعدو يعرف هذا و التفرق هو سبب الرئيسي في ضعفها في جميع الازمنة والأمكنة .. لهذا زادوها فرقةً وتشتتاً .. ليقوم بضرب كل دولة أرادت أن ترفع رأسها في وجهم .. والمؤسف والمحزن إن بعض الدول العربية والإسلامية صارت تتفرج من بعيد على أختها تغرق بل اكثر من هذا صارت دولة تشمت من أخرى إذا اصابتها مصيبة .. وهذه جزء من سياسة العدو ليسهل عليهم ضربها عسكرياً إذا أرادوا .. والإنفراد بها والدائرة تدور على المتفرجين بعد حين من الزمن ( بدؤوا بالعراق ، ليبا ، اليمن ، سوريا ، السودان ، غزة.... ).
لهذا لم تستطع أي دولة الوقوف في وجه اصرائيل.. ولم تستطع فعل أي شيء لأهل غزة الدين يقتلون ويحرقون أمام أعيننهم ويموتون جوعاً ولا تستطيعون ادخال لهم شيء من الطعام والشراب رغم أن مخازنهم مليئة بالمال والطعام .. لكن لا يستطيعون إدخل شيء او اخرج شيء إلا بأمرهم وبرضاعهم.. رضاؤهم مقابل سخط الله.. وليس هناك ما يقال في مثل هذا المصيبة العظيمة التي اصابت الأمة العربية والإسلامية سوى قوله تعالى ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ . وقد سجل التاريخ هذه النكبة العربية والإسلامية التي ليس لها مثيل ولا شبيه في تاريخ الإسلام لمن ياتي بعدنا والتاريخ لا ينسى.
إنها مفارقة عظيمة كأن التاريخ يعيد نفسه لكن بطريقة عكس مكان كان عليه من قبل إلى حال لم يكن من قبل عند المسلمين ألا وهو الخدلان والتقاعس عن نصرة إخوانهم المسلمين الذين يموتون أمام أعينهم وسلاح بأيدهم وطعام والشروب في مخازنهم.. فقد قال التاريخ الإسلامي من قبل أن امرأة مسلمة واحدة وليس شعبا باكمله كما هو الحال في هذا الزمان .. استنجدت بسلطان من سلاطين الدولة العباسية وهو المعتصم لما اصابها الظلم و الأذى في بلاد الروم صرخت وا معتصماه فلما بلغ خبرها المعتصم قال لبيك اختاه فقاد جيشاً عظيم بنفسه لنجدتها ولم يرجع إلا وهي معه وقد هزم الروم . والأن شعب غزة بأكمله يصرخ بصوت واحد رجالاً ونساءاً ، شيوخاً و شباباً ، أطفالاً وصبياناً ورضعاً : وا عرباه وا مسلماه فليس من مجيب . فليس من مجيب .
فالدول العربية والإسلامية قالوا في هذا العصر عصر الإسلام وزمن الهرج و والفتن والتفاهة قالوا " لا طاقة لنا باصرائيل " وكأن التاريخ يعد نفسه لكن بطريقة معكوسة من لبيك فلسطين في الماضي إلى لا لبيك فلسطين في الحاضر ليبقى الحال على ما هو عليه حتى يقلبه الله أو يأتي بقوم آخرين ليسوا مثلنا. كما أنذرنا الله تعالى في قوله ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴾ محمد (38).
بقلم : الشاعر والكاتب والناقد والباحث أحمد احبيز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق