{بعد فوات الأوان}
٥
الليل يغرق في صمت ثقيل كأن العالم يحبس أنفاسه ينتظر شيئا لن يأتي .. أشعر بـ غرفتي باردة لكن البرد الحقيقي ليس في الجدران بل في عظامي و في الفراغ الذي حفرته السنوات في صدري .. أجلس على كنبتي المتآكلة التي تحمل ندوب الزمن و في يدي قلم لم يعرف الحبر منذ أمد طويل .. خلفي النافذة مغلقة لكن رياح الذكريات تتسرب من شقوقها تحمل معها رائحة الخذلان كدخان يخنق الروح .. كنت يوما بحرا من الأحلام موجي يصطدم بصخور الواقع لكنه لا يكف عن التدفق .. كنت أحمل في عيني وهج الشباب وفي قلبي وعدا بأن أكون شيئا إستثنائيا .. كنت أريد أن أكتب ملحمة أن أغني أغنية تسمع في أرجاء العالم أن أحب بجنون لا يعرف الحدود .. لكنني گـ الكثيرين أصغيت إلى صوت الخوف .. صوت يهمس في الظلام لست كافية .. انتظري الوقت ليس مناسبا و صدقته گـ العادة .. كل يوم كان يمر كان يسرق معه قطعة مني .. أصبحت حياتي قفصا ذهبيا أغلقته على نفسي بإرادتي .. و الأحلام التي كانت تضيء ليالي أصبحت كالنجوم البعيدة أراها لكنني لا أستطيع لمسها .. كنت أقول غدا سأبدأ لكن الغد كان يأتي محملا بالمزيد من الأعباء و الأعذار و الخذلان .. خذلت نفسي أحلامي .. و خذلت البنت التي كانت تؤمن أن العالم سيحتضنها إن أعطتها قلبها .. أتذكر في إحدى الليالي قبل سنوات استيقظت من نوم مضطرب كان قلبي يخفق كطائر محبوس يضرب جناحيه على القضبان أمسكت بورقة و قلم و بدأت أكتب .. كتبت عن أنثى تشبهني تحمل في صدرها عاصفة من الأحلام المؤجلة .. عن حب كانت تتمنى أن تعيش التجربة .. عن أم رحلت ولم أقل لها كفاية كلمات الحب .. فـ الكلمات كانت دموعا سائلة تنساب كأنها تحررني من ثقل السنين .. لكن مع بزوغ الفجر توقفت .. نظرت إلى ما كتبت و سمعت صوت الخذلان يهمس .. لماذا الآن لقد فات الأوان .. من سيهتم بما تقولين الآن .. فأغلقت أوراقي و عدت إلى ظلال حياتي الباهتة .. و الآن أجلس هنا عاجزة مريضة وحيدة في هذا الصمت الموجع .. الشيب يغزو رأسي كغزو جيش لا يرحم و التجاعيد على وجهي تحكي قصصا لم أجرؤ على روايتها .. أفتح الدفتر القديم أقرأ كلماتي القديمة و أشعر بخنجر الندم يغوص أعمق في صدري .. خذلت نفسي مرة أخرى و مرة أخرى .. لكن في هذا الخذلان هناك و ميض .. و ميض صغير كشمعة في عاصفة يقول ربما لم يفت الأوان ربما الخذلان ليس النهاية بل بداية .. أمد يدي إلى القلم أرتجف أكتب كلمة ثم أتوقف .. الخذلان ثقيل لكنه ليس أثقل من الأمل الذي يرفض أن يموت .. أكتب كلمة أخرى ربما بعد كل هذا الوجع لا يزال هناك وقت لأكون .. ربما حتى بعد فوات الأوان هناك حياة تنتظر من يجرؤ على العيش .. نونا فتحى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق