الثلاثاء، 22 يوليو 2025

كُلَّ لَيْلَةٍ أُسَافِرُ إِلَيْكَ، يَا وَطَنِي...!

كُلَّ لَيْلَةٍ أُسَافِرُ إِلَيْكَ، يَا وَطَنِي...!
 نصٌ بقلم : د. عبد الرحيم جاموس

ثلاثةَ عشرَ ربيعًا...
كُنتُ أتنفَّسُ تُرابَكَ،
أَصحو على زقزقةِ الحنينِ في فَجرك،
وأغفو في حُضنِ زيتونةٍ تُسَمِّينِي ابنَها،
وأعشبُ الدارِ يُدلِّلُ خُطاي...

ثمّ...
خَرَجْتُ مِنكَ،
ولم أخرُجْ...!

تِسعٌ وخمسونَ خريفًا مرَّتْ،
كُلُّ عامٍ منها
يَتَدَلّى من رُوحي كجُرحٍ جديد،
كنافذةٍ في المنفى،
لا تُطِلُّ إلّا عليك...

يا وَطَنِي...
لا أَحلُمُ إلّا فيكَ،
ولا أَنامُ إلّا لأَلقاك...
لا يُقِيمُ الحُلُمُ في غُربتي،
إلّا إن كانَ يَحمِلُ عَيْنَيْكَ،
وشمسَكَ،
وصوتَكَ،
وصمتَكَ المُثقلَ بالصبرِ والنار...

كُلُّ لَيْلَةٍ،
أُسَافِرُ إِلَيْكَ سِرًّا،
كحُرْمَةِ الحُلْمِ ...
حين يُقاسِمُ الشهداءَ مَخَادِعَهم،
أعبرُ فوقَ الأسلاكِ،
وأَتَسَلَّلُ مِن بَيْنِ حرائقِ الغُزاة،
وأُقَبِّلُ جَبِينَ غزَّةَ الجريح،
وأَرْسُمُ على بَوّابةِ يافا
غَيْمَةً تُشْبِهُ أُمِّي...

يا وَطَنِي،
ما عادَتِ الغُربةُ نَفْيًا...
بل صَليبًا نَحمِلُهُ في صُدُورِنا،
ونَسِيرُ به،
مَنْفًى في مَنْفًى،
ولا صَدَى لِلنِّداءِ،
إلّا دَمْعَةٌ
تُبَلِّلُ التُّرابَ ...
 إِن عادَ الحُلْمُ شَهِيدًا...

وَحْدَهُ اللَّيْلُ صَدِيقِي،
أَمُدُّ فيهِ جُسُورَ قَلْبِي إِلَيْكَ،
أُحَدِّقُ في سَمَائِكَ المُـمَزَّقَةِ بالقَنَابِل،
وأُغَنِّي...
بِصَوْتِ النَّاجِينَ مِنَ المجازر،
بِأَلَمِ الأُمَّهَاتِ في الخِيَام،
بِضَحِكَةِ الأَطْفَالِ في الطِّين،
الَّذِينَ ما زَالُوا يَقُولُونَ: 
هٰذَا الوَطَنُ لَنَا...

هي الحقيقةُ يا وَطَنِي،
لا الحُلْم...
أَنَّنِي ما زِلْتُ أُولَدُ فِيك،
وَكُلَّ لَيْلَةٍ ...
أُسَافِرُ إِلَيْكَ...
عَائِدًا في قِطَارِ الأَمَل،
ولو مِن رَمَاد...!

د.  عبدالرحيم جاموس 
الرياض  22/7/2025  م 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لاتعاتبني .. ✒ أ. لمياء العلي

لاتعاتبني  لاتعاتبني على أشواقي فإني صرت بالحنين اعيش يومي وقلبي بالأشواق ليلا بها معذب يتألم قلبي والروح له مواسية قائلة له صبرا فغد الأمل ...