أمجاد الاجداد
الجزء الثالث
بقلم هشام حلمى
وفجاة ظهرت صاحبة العربة وسط ذهول الحاضرين وكانت هى ايزيس التى تمشى على الارض السيدة نفرت ابنة امنحتب وتوجهت إلى حونى لتشكره فمدت له يدها لتسلم عليه فنظر اليها باعجاب شديد ونبض قلبه بحبها نبضا شديدا ولامست يده يدها لأول مرة فأحس بروحيهما تطيران معا للسماء لتتحدا وتصبحان روحا واحدة .
وبعد برهة قصيرة آفاق حونى من مخيلته وابتسمت له نفرت ابتسامة خفيفة وجميلة وشكرته وانصرفت.
وعاد حونى للعمل بسعادة ونشاط فى ارض ابيه بقية الاسبوع حتى حان موعد عطلته الاسبوعية فاخبر اباه وأمه انه خارج للنزهة على ساحل بحيرة مير وير (الاسم المصري القديم لبحيرة قارون بالفيوم ويعنى البحر العظيم وكانت مساحتها قديما اكبر بكثير من مساحتها الحالية ، وتبلغ مساحتها الحاليه ٢٣٠ كم مربع فى حين انها قديما كانت تبلغ ٢٥٠٠ كم مربع وكانت تغذى بفرع من النيل يسمى بحر يوسف حفر فى عهد امنمحات الثاني الاسرة الثانية عشر).
ومشى حونى خلال الحقول والأشجار الباسقة المثمرة والمروج يغنى فى سعادة بالغة حتى وصل الى شاطىء البحيرة وبعد ان استمتع بالنظر إلى مياهها العذبة الرقراقة واستنشق هواءها المنعش مشى على الشاطئ وهناك حدثت المفاجأة.
راى عربة نفرت بالقرب من الشاطيء والسائق بجوارها وراى نفرت تجلس وحدها على صخرة وتنظر إلى مياة البحيرة فتوجه نحوها سريعا واقترب منها وقال صباح مشرق وجميل اليس كذلك ؟ فنظرت اليه سريعا قائلة اهلا بك ياحونى وملات الابتسامة الرقيقة وجهها الجميل فتعجب وقال لها كيف عرفتى اسمى؟ قالت اخبرنى ساءقى عنك بعد إن تفضلت مشكورا باصلاح عجلة العربة. وقال لها وانت السيده نفرت ابنة السيد امنحتب فقالت نعم هى انا واستطردت قائلة ولكنى أتعجب من لقاءنا هذا جمعنا القدر ثانية بغير ميعاد.
فرد عليها حونى قائلا الأرواح المتحابة تتقابل بغير ميعاد.
فالتفتت اليه سريعا والتقت عيناهما لبرهة وبادرها حونى قائلا حين رايتك أول مره أحسست انى اعرفك منذ سنوات مضت فردت عليه وقالت عجبا وانا ايضا أحسست بنفس الشعور فمد لها يده فاستقبلتها يدها ثم ضمها الى صدره بشوق ولهفة وهى ارتمت بين ذراعيه واسندت راسها على صدره . ثم استفاقا وقال لها يانفرت انى احببتك حبا كبيرا وأريد أن اكون لك زوجا ....ولكن.
فردت عليه نفرت وقالت ولكن ماذا ؟
فقال لها نحن فلاحين نعيش فى بيت متواضع ومعيشتنا تختلف تماما عن معيشتك فانت تعيشين فى قصر كبير ونشاتى فى وسط النبلاء وأعتقد أن اباك سوف يرفض طلبي لانى فلاح ابن فلاح .
فردت عليه نفرت قائلة ياحونى انا ايضا احببتك منذ رايتك اول مرة واحب ان اكون زوجة لك مهما كان الفارق بيننا وساقنع ابي بان سعادتي مرهونة بزواجي منك فهو لم يرفض لى طلبا طيلة حياتى ابدا.
اذن سأذهب اليه غدا وساطلبك للزواج وليكن مايكون.... ثم افترقا وهما قلقان ويفكران فيما تخبءه لهما الاقدار.
ولما عاد لمنزله عرض رغبته فى الزواج على ابيه مينا وأمه ميريت فرد ابوه قائلا ياحونى ان امنحتب رجل متكبر شرير يكرهني لرفضي بيع ارضى له وحتما سيرفض هذه الزيجة لانه من النبلاء ونحن فلاحين ومن الممكن أن يؤذيك فهو غير مأمون الجانب فارجع يابنى عن فكرتك هذه وابعد عنا شره ثم التفت حونى لامه فهزت راسها وقالت انا من راي ابيك ... نفرت كالملاك محبوبة من كل الفلاحين ولكن أباها شرس وشرير وانا غير مرتاحة لفكرتك فارجع يابنى عن رأيك.
فرد حونى قائلا ولكنى احببتها من كل قلبي ولن يهنا لى العيش بدونها فساذهب اليه وليكن مايكون.
وفى اليوم التالي لبس حونى احلى ثيابه وذهب لقصر امنحتب وكانت ابنته اخبرته بموعد الزيارة ولكنها لم تخبره بالغرض منها فظن انه يريد بيع ارض ابيه له ولما وصل حونى للقصر استقبله كبير الخدم اوسر ورحب به وادخله لصالة الزوار وكانت مكانا فسيحا مملؤا بالاثاث الفخم والتحف الثمينة والتماثيل وبعد وقت قليل دخل عليه امنحتب وسلم عليه ورحب به وجلسا .
وبادره امنحتب بالكلام قائلا لعل سبب زيارتك يكون رغبتك فى بيع ارضكم فابيك مينا عنيد ورفض عروضي المغرية التى عرضتها عليه ولكن يبدو أنك أرجح منه عقلا فاستطعت ان تقنعه بالبيع .
فرد عليه حونى قائلا ولكنى لم اجىء اليك لابيع ارض ابى .
فسأله امنحتب متعجبا اذن ماسبب الزيارة؟
فقال له حونى حضرت لاخبرك انى اريد الزواج من ابنتك نفرت فأنا احبها وهى تحبني.
ففوجىء امنحتب بالاجابة وامتقع وجهه واحمر غضبا وقال لحونى هل تعي ماتقول ؟؟ ام انك سكران ... او جننت ؟
فقال له حونى انا اعي تماما مااقول ياسيدى فأنا أرغب فى الزواج من ابنتك.
فرد عليه امنحتب بصوت عالي ... انت ايها الفلاح الحقير الذى يعيش وسط الطين والبهاءم تجرات على اسيادك وتطلب الزواج من ابنتي ربيبة القصور والثراء ؟؟
فرد عليه حونى قائلا الفلاح هو اصل مصر فابوك فلاح واجدادك فلاحين والفلاح هو شعب وجيش مصر وهو صاحب اكبر حضارة حضارتنا المصرية العظيمة وهو الذى بنى الأهرامات والمعابد.
فرد عليه امنحوتب بالشتم ونادى اوسر والخدم وامرهم ان يقيدوه فى الشجرة خارج القصر فهجموا على حونى فضربهم جميعا ... فتكاثروا عليه وامسكوه وقيدوه فى الشجرة ثم جاء امنحتب ليقطع ملابسه ولكن نفرت أمسكت يده فدفعها وقطع ملابس حونى وكشف ظهره وامر باحضار السوط فاحضروه فامسكت نفرت السوط من يده فلطمها على خدها لطمة قوية فوقعت على الارض مغشي عليها ثم بدا فى جلد حونى على ظهره بالسوط حتى ضربه عشرين جلدة ... وحمل الخدم نفرت للداخل وتركوا حونى مقيدا بالحبال فى الشجرة تنزف الدماء من ظهره نتيجة جلده بالسوط.
وعندما افاقت نفرت ذهبت مسرعة بالدهانات والأعشاب الدوانية إلى حونى وأخذت تداوى جراحه ثم امرت الخدم بفك قيوده وأخذته فى العربة وقادتها بنفسها مسرعة إلى بيته فخرج ابوه وأمه وذهلوا حين راوا ابنهما والدماء تغطي ملابسه ثم اسنده ثلاثتهم حتى وضعوه على سريره .
ونظرت نفرت اليهما ووجهها شديد الحمرة من شدة الأسف والخجل ونظرا اليها فى صمت ثم انصرفت عاءدة لمنزلها .