الثلاثاء، 27 مايو 2025

ثورة العذارى

1
ثورة العذارى 
في فجر يوم الخميس من عام ثورة الخبز 1984، في باب بحر وفي شرفة نزل فيكتوريا بتونس العاصمة،  تستمع المفوضة إيناس مقطوعة من موسيقى الجاز، وتشرب سيجارة روايال. كان الدخان يغطي وجهها المستدير إنها تتثاءب... لعلها في حاجة إلى النوم... تحتسي القهوة تلو القهوة... يتناغم مزاجها مع صخب المارين من السكارى . أضواء المدينة تتدفق عبر النافذة. الغوص في روحها... 
مشهد البارحة لا يفارق عقلها. الطبول تدق. سعاد، 17 عاما، بجسد آلهة وقلب على وشك الانفجار من العاطفة، تدخل الشقة الموجودة قرب نهج سيدي عبد الله. يبدأ حفل التصفيح. إنها لا تعلم ذلك بعد، لكن مصيرها على وشك التغيير. رجل يراقب وينتظر، وحواسه متيقظة في الظلام. لم يعد بإمكانه أن يتحمل ذلك بعد الآن. إنه يردد أغنية شهيرة مثل ترنيمة لا تنتهي... " أنا في انتظارك مليت" إنه يستمتع مسبقا باللحظة التي سيوثق رباطا سحريا حول جسد حبيبته لحراستها حتى لحظة زفافهما... وفجأة انفجر الدم وأغمي على الفتاة فهرب الجميع وتركوا المسكينة تتخبط في دمائها. أسرعت إيناس لإسعاف المسكينة فحملتها على ظهرها وعبرت أسوق المدينة العتيقة حتى مستشفى عزيزة عثمانة ... هناك سلمت سعاد إلى ممرضة غرفة الطوارئ. وبقت تترقب نتائج الفحص. وبعد أن اطمأنت على صحتها رجعت إلى مكان الواقعة فلم تجد أثرا للدم سألت امرأة عجوز جالسة في زاوية منعزلة من المنزل  عما حدث منذ قليل فنكرت الحفل والتصفيح واتهمت ايناس بالأوهام. رجعت إلى نزلها وحاولت التفكير في مهمتها الرئيسة مراقبة عصابة اغتصاب الفتيات القصر. ولكن لم يهدا بالها فما شاهدته البارحة أثلج دمها. لبست معطفها ونزلت بسرعة، تجري بكل ما تتحمل ساقيها حتى المستشفى. سألت إيناس الممرضة فأعلمتها أن المريضة هربت. 
كيف هربت؟ 
 اهدئي يا سيدة، هل لك علاقة بالهاربة؟
أشهرت إيناس بطاقة مهنتها... مقاومة الاجرام. ارتبكت الممرضة ونادت بصوت عالي الطبيب الليلي. حضر للتو فأعلمته الممرضة بالكارثة... وأعطته اسم الهاربة ولعله اسم غالطا. كان الطبيب هادئا واقترح على الشرطية أن تثبت في كاميرا المراقبة...
وبعد المعاينة ظهرت صورة الممرضة وممرض يساعدان البنت على الهروب. وبعد التحري اعترفت الممرضة بأنها تنتمي إلى جمعية "حماية العذارى من التشويه". تم القبض عليها و على بقية العصابة و ما راعى إيناس إلا أن تكتشف شبكة منظمة، خليط من شخصيات محافظة و مجرمين سيئي السمعة، اتَّجر في الفتيات العذارى لإرضاء رغبات كبار العالم من الشاذين.
عادت ايناس إلى النزل و القت بكل جسمها فوق السرير و استرسلت في احضان مورفي حتى بداية الليل. أمعائها تقرقر من شدة الجوع...نزلت إلى المطعم و أخذت مكانها العادي و طلبت صحن حوت... اشعلت سيجارة و قامت بمراقبة روتينية من حولها. شد انتباهها وجود شخص كان يستقل لنفسه زاوية منعزلة من المطعم مسترقا النظر ذات اليمين و ذات اليسار. دنت منه و طلبت منه سيجارة و عندما تيقنت انه رجل الأغنية الشهيرة في ليلة الحادثة،  القت القبض عليه و قرأت عليه حقوقه ثم هاتفت البوليس...
قالت في نفسها متى سارضي امعائي في راحة...و كتبت في كنشها... إن المجرمين تغيروا، من ابناء الأحياء الفقيرة الى أصحاب القرار و العمال ذوي الياقات البيضاء.
بقلمي عبدالفتاح الطياري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشوق عليل . بقلم ذكريات وقوافي نوفليات

الشوق عليل  ‏أنا التغريبة مساري وفي  ‏وطني القلم لن يصبح رفات  ‏من تحت الركام سطر الأحرار  ‏الواح الفخر كأنها بيد نحات ‏تفيض العيون بالدمع و...