الثلاثاء، 13 مايو 2025

أشباح زمن فان .. بقلم الأستاذ محمد الراعي

أشباح زمن فان
بقلم الأستاذ محمد الراعي
رئيس الرابطة الثقافية الاتحادية في المملكة المغربية 
الرقم الاتحادي ٢٨٢٠١١٨

كلنا ميتون، نحن أشباح عابرة تتهادى على وجه هذه الأرض الزائلة، تحمل في ثناياها أسرار الوجود والعدم. تأمل الإنسان في حقيقة الحياة والموت لم يكن مجرد سعي فلسفي عابر، بل هو نداء وجودي يتردد في أعماق روحه، يدفعه إلى التساؤل عن سر وجوده وغاية مسيره. حينما ننطق بعبارة "كلنا ميتون، ونحن أشباح تسير على الأرض"، فإننا لا نرمي إلى إثارة سحب التشاؤم أو إيقاظ شبح اليأس، بل نريد أن نستنبط من هذه الحقيقة المرة معاني سامية تلامس جوهر كينونتنا الإنسانية، وتجعلنا ندرك قيمة الحياة في ظل حتمية الفناء.

الحياة، في لبها، ليست سوى ومضة عابرة في رحلة الإنسان الطويلة نحو الأبدية. كل واحد منا، سواء أكان واعيا أم غافلا، يعلم أن الموت هو المصير المحتوم الذي ينتظره، وأن كل خطوة يخطوها، وكل نفس يتنفسه، يقربه أكثر من ذلك الحجاب الذي يفصل بين عالمي الظهور والخفاء. لكن هذه الحقيقة، التي قد تبدو قاسية للوهلة الأولى، لا ينبغي أن تستقبل بعين الخوف أو الكآبة، بل بعين التأمل والتفكر العميق.

حينما ندرك أننا ميتون، وأننا أشباح تسير على هذه الأرض، قد يغشى قلوبنا شعور بالرهبة والوجل. لكن هذا الإدراك يجب أن يكون دافعا لنا لنعيش حياتنا بوعي أعمق، وبإدراك أسمى لندرة الوقت الذي نملكه. فنحن نعلم أن لحظاتنا معدودة، وأن الزمن الذي بين أيدينا ليس سوى رمال تتساقط من بين أصابعنا. هذا الوعي يجب أن يقودنا إلى التفكير بشكل أعمق في كل فعل نقوم به، وفي كل قرار نتخذه، وفي كل علاقة ننسجها مع من حولنا.

إن الحياة ليست مجرد مرور عابر للزمن، بل هي سلسلة من الفرص المتلاحقة للبناء والتغيير. إذا ما نظرنا إلى الحياة على أنها مجرد سلسلة من الأحداث التي تقودنا إلى الموت، فإننا سنفقد جوهرها الحقيقي. أما إذا ما أدركنا أن الموت هو جزء من دورة الحياة، وأنه النتيجة الطبيعية لكل حياة، فإننا سنصبح أكثر حرصا على أن نترك أثرا إيجابيا، وأن نعيش وفق قيمنا ومبادئنا، وأن نسعى لتحقيق الأهداف التي تعكس جوهرنا الإنساني.

من خلال هذا الفهم العميق، نصل إلى إدراك أن الموت ليس نهاية مطلقة، بل هو جزء من التحول الدائم الذي يمر به الكون بأسره. كلنا سنموت، هذا صحيح، ولكن الأهم هو كيف نعيش قبل أن نموت. هل نترك خلفنا إرثا من الحب والخير؟ أم نترك خلفنا فراغا من الندم والخسارة؟

لننظر إلى حياتنا كرحلة وجودية، حيث يحمل كل واحد منا أعباءه وآماله وأحلامه. وقد تكون هذه الرحلة قصيرة أو طويلة، مليئة بالنجاحات أو بالإخفاقات. لكن في النهاية، كلنا سنصل إلى نفس النقطة، الموت. وما يهم حقا هو كيف نختار أن نسير في هذه الرحلة. هل نسيرها بقلوب عامرة بالإيمان والحب، أم بنفوس غارقة في الظلام والجحود؟

في الختام، حينما ندرك أننا أشباح تسير على الأرض، يجب أن نحفز أنفسنا على عيش حياتنا بكل حب ووعي. لنكن القوة التي تضيء الطريق للآخرين، لنكن الإنسان الذي يترك بصمة لا تمحى، ولنعلم أن الموت هو جزء من رحلتنا، ولكنه ليس النهاية، بل هو بداية جديدة لشيء أعظم، شيء يتجاوز حدود الزمان والمكان، شيء يلامس أبدية الروح. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارسم هوايا ومهجتي .. بقلم أ. لمياء العلي ...

ارسم هوايا ومهجتي  كحلم على ورق الشجر نداه يطبب دمعتي وتاج وضعته كالبدر يضيء ظلامي بالدروب ونقش عشقه في الصدر وألف آه على دمعتي لما أفيق على...