« من علامات الشقاء »
الشقي من الناس هو من أفنا عمره في طلب الدنيا.. وهو يحاول أن يصنع لنفسه سعادة مادية.. جاعلاً قدوته في الحياة كل شخص عانق النجاح المادي.. ولو بمختلف الطرق... ولعلى أهل الكتاب من النصارى واليهود وغيرهم .. في هذا العصر، عصر الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة.. هم أكثر الناس الذين حققوا هذا النجاح المادي في مختلف المجالات الدنيوية .. لكن بدون ظوابط دينية ولا أخلاقية.. بل أن جمع المال لدينهم هو الهدف والغاية التي يعمل من أجلها كل فرد من افراد هذه الدول الكافرة كفرًا مخرجاً من ملة الإسلام ، قال الله تعالى ﴿ إنَّ الدِّينَ عند الله الْإِسْلَامُ ومن يبتغي غَيْرَ الإسلام دِيناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾.
يشتغلون بالليل والنهار لأن النجاح عندهم في أي مجال ( صناعي، تجاري، انتاجي.. ) وفي أي تخصص علمي ( الطب ، الهندسة، الفيزياء... ) مرتبط بالمال لأن المال عندهم هو مصدر النجاح أو الفشل في أي مجال.. حتى ولو كان هذا المجال ينشر الفساد في الأرض بمختلف اشكاله وانواعه.. ويهلك الحرث والنسل فإن هذا الأمر عندهم مباح ظالما هذا المجال يحقق أرباحاً كبيرة.. فإنه يعتبر مجال ناجح.. بحيث ليس عندهم في قاموسهم كلمة حلال أو حرام أو اخلاق.. الكل سواء والكل مباح، ولعلى من أخطر انواع هذا الفساد في الأرض هو بيع الأسلحة المتطورة التي تحرق الاخضر واليابس.. للقتلة والمجرمين مقابل المال، شعارهم في بينهم إدفع المال مقابل السلاح ودمر واحرق به الشعوب والأمم ولا حساب .. فهذا جزء من النجاح المادي في مجال صناعة الاسلحة وبيعها لظلمة ليقتل الشعوب بها والمجالات الأخرى لا تقل فساداً عن غيرها.
وأما الشقي من هذه الأمة العربية والإسلامية المسلمة بالوراثة لأنهم ورثوا الإسلام أباً عن جد وهذا الأمر أهون وأيسر عليهم لأنهم لم يبذلوا الجهد في أن يكون مسلمين كما بذله الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مند أن بدأ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في نشر الإسلام، ورثوا الإسلام كما كان يرث الأبناء عن آباءهم وأجدادهم في الجاهلية الكفر وعبادة الأصنام، فإسلام شريعة ومنهاج والمسلم ملزم على أن يلتزم بما جاء به دينه الإسلامي و ألا ينهج نهج الكفرة والمفسدين في الارض.. وألا يكون حبه لجمع المال أحب إليه من دينه وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث يجمع المال بطرق محرمة شرعاً ولا يبالي لأن طرق الحلال لم تعد تكفيه ويدعي بلسانه أنه مسلم لكن فعله يكذب قوله.
فهذا هو الذي اشقى نفسه بفكره وبرأيه وبتوجهه المادي بحيث جعل الدين مجرد شيء ثانوي .. أحب المال حبًا جمًا فصار عبد له وقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا النوع الشقي من الناس في قوله ﷺ: « تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ.. » فكل إنسان كان عبد للمال فسيعيش تعيساً وإن كان أغنى الناس، سيبقى يركد خلف شهواته متخذاً إِلاَهَهُ هواه.. يتقلب بالليل والنهار ولا يجد الراحة لا في نومه ولا في يقضته.. يقلب كفيه دائماً على ما أنفق من أموال.. ويخاف خوفاً شديداً من الفقر... يعيش وأيامه تمضي متشابهة لأنه ألقى بنفسه في دائرة التكرار .. فهمه الأول والأخير هو جمع المال بمختلف الطرق.. حلال أم حرام لا يهم، لتصبح هذه الدائرة التي يدور فيها كل شقي دوامة تبتلع صاحبها عندما تصبح حياته وتمسي مبنية على العادات المادية... لأنه ملأ قلبه بها، حينها يتجرد هذا الإنسان من الأحاسيس والعواطف الصادقة.. لأنه باعها عندما جعل الدنيا همه الوحيد وشغله الشاغل بالليل والنهار فشتت الله شمله كما قال النبي ﷺ « من كانتِ الآخرةُ همَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ، وجمعَ له شملَهُ، وأتتهُ الدنيا وهي راغمةٌ » ومن منطلق مفهوم المخالفة قال عليه الصلاة والسلام في الشطر الثاني من الحديث « ومن كانتِ الدنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ، وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ » أي: إن الشقي من جعل نفسه وقلبه عبداً للمال فجعلَ الله فقره بين عينيه عقاباً له حتى ولو كان غنياً .. فإنه ينظر إلى حاجته التي يركد خلفها فلا يستطيع أن يصرف فكره وذهنه وانتباهه وتركيزه إلى شيء آخر غيرها حتى وإن كان في الصلاة فلا يصلي إلا بجسده فقط وقلبه وعقله مشغول بماله وبحاجته التى لم يدركها والتي يركد خلفها فيشعر على الدوام بأنه فقير ينظر إلى فقره وهذا من علامات الشقاء والخسران في الدنيا والآخرة بحيث يعمى عن رؤية نعم الله الكثيرة عليه.
وتمضي الأيام وسنين وهو على حاله وينسى أن بطارية عمره تنفذ في صمت لأنها لا تخبر الإنسان كم بقي له من الشحن.. ولا تقبل الشحن من جديد.. عكس بطارية الهاتف المحمول التي تقبل الشحن وتخبر كَمْ بقي من الشحن، هل بقي له سنوات قليلة أم شهور أم أيام أم ساعات وهو لا يبالي.. ويرى الموت بعيداً جداً جداً.. وينسى أنه في الدنيا عبار سبيل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي، فقال : « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ».
وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك » . رواه البخاري .
وعندما يجلس كل شقي مع نفسه في خلوته يبحث عن السعادة الحقيقية بداخله فلا يجد شيئا سوى الفراغ.. الذي يشعره بالحزن وبالعذاب... الباطني.. رغم أن بعضهم يصلي ويصوم ويحج.. لكن قلبه لم يذق حلاوة الإيمان لأنه ملأه بحب الدنيا، وحب الدنيا والإيمان لا يجتمعان داخل قلب واحد.
والدنيا شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالجيفة ورائحة الجيفة يفر منها الناس والدنيا أساسها كل شيء مادي... ومن أجلها يتخاصم الناس لكنها رغم هذا.. فإن الدنيا لا حياة فيها فهي كالجيفة لأنها لا تحي القلوب ولا تسعد النفوس ولا تسكن الأرواح... لأن ما يحي الإنسان بما فيه هو الإيمان وذكر الله لأن الإنسان لم يخلق إلا للعبادة وطلب أسباب الرزق بالطرق الحلال وهي كثيرة والعبادة الحقيقية هي التي تجعل الإنسان يحي حياة طيبة يجد رائحتها الطيبة ولذتها بداخله ومع من يعاشره.. ولعل الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح جزء من هذا الطيب.. طيب الحياة الطيبة التي وعد الله تعالى بها اصحاب الإيمان و العمل الصالح من المسلمين من هذه الأمة في كل مكان وزمان إلى قيام الساعة.
وفي الختام اقول:
الشقي من الناس في كل زمان ومكان هو من أفنى عمره في طلب الدنيا و الركود خلفها فيموت وتبقى الدنيا ويبقى ما جمع فيها وإنه محاسب على ما ترك فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفي ما أنفقه وعن عمره في ما أفناه.. فَفْنِي عمرك في طاعة الله تكون اسعد الناس في الدنيا وفي الآخرة.
بقلم: الشاعر والكاتب والناقد والباحث أحمد أحبيز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق