الاثنين، 5 مايو 2025

« نظرية نقدية حول مفهوم الحرية في الإسلام »

« نظرية نقدية حول مفهوم الحرية في الإسلام »

الإسلام هو أول من دعى إلى الحرية وأول من حفز الناس ورغبهم في تواب وفضل تحرير رقاب الناس من العبودية سواءً كانوا ذكوراً أو اناتاً، صغاراً و كباراً.. بعدما تفش في العالم بأسره ظاهرة العبودية بشكل كبير جداً منذ الأزمنة الأولى التي خلت.. حيث كان اللصوص وقطاع الطرق يسرقون ممتلكاتهم الناس ولا يكتفون .. بل يبعونهم كذلك لأصحاب الأموال ولتجار العبيد فينتزعون منهم أموالهم و حريتهم إنتزاعاً بالقوة والظلم وليس هناك من ناصر لهم، فعيش الحر عبداً عمره كله أو ما شاء الله أن يعيش وهذا أشد أنواع الظلم.. أما العبيد أسراَ الحروب في ذاك الزمان فيبقى لهم باب الأمل في التحرر من العبودية ممكناً غير بعيد في حالة قام أهله أو عشيرته الأسير بدفع الفدية أو وقع اتفاق لتبادل الأسرى بين الفصلين المتحاربين وفي كلتا الحالتين يباعوا الحرائر للأغنياء.. ولكل من له القدرة على دفع المال، وهذه الظاهرة كانت منتشرة مند الأزمنة الأول ويذكر القرآن الكريم أن نبي الله يوسف عليه السلام بيع بثمن بخس دراهم معدودة لعزيز مصر وهو أنذاك غلام صغير لم يبلغ الحلم بعد ، وفي عصر الجاهل كان سلمان الفارسي رضي الله عنه ضحية للغدر من قبل تجار لصوص ( من قبيلة كلب ) الذين أخذوا ما كان معه من الغنم والبقر  ثم باعوه ليهودي بينما كان يبحث عن الحقيقة التي وجدها أخيراً في دين الإسلام لكن بعدما أخذ ماله و سلبت حريته.. فصارا عبيداً.. وهذا كان للتذكير فقط من أزمنة مختلفة بينها ألاف القرون وفي هذا الباب قصص كثيرة ومتنوعة.
فكان أصحاب المال من الناس يستعبد الناس بعقد شراء وملكية كأنهم أشياء مادية وليسوا بشراً مثلهم..  يشترون  الرجال للعمل والخدمة والحرب.. والنساء للعمل والخدمة وللمتعة وغير ذلك.
وبعد مجيء الإسلام كانت بدأت البوادر الأولى تبشر أن هناك تغيراً كبيراً في العالم سيحدث على جميع المستويات إلى الأفضل.. حيث كرم الإسلام المرأة التي كانت تعيش كل أنواع الذل والتهميش سواء كانت حرة أو جارية.. كانت مسلوبة للحرية بصفة عامة، بل كانت بضاعة تورث عند كثير من الشعوب وقد رفع عنها الإسلام السوء و أعطاها حقوقها كاملة كما جاء في كثير من الآيات القرآنية.. فكان الإسلام هو أول من دعى إلى الحرية وهي تحرير الناس من العبودية.. وكان ذلك منذ بدايه نزول الوحي علانية وترك باب الإختيار حسب القدرة والاستطاعة.                                                                ولعلى حرية البدن  تأتي في المرتبة الأولى لأن  جميع الحريات الأخرة تابعة لحرية الجسم لأن الإنسان الحر له حرية الإختيار في نفسه و ماله.. وحرية التنقل وغير ذلك،  عكس العبد فإن غيره يتحكم فيه يقول له أفعل كذا وكذا ولا تفعل كذا وكذا  ولا تمشي إلى كذا .. وغير ذلك، بل أن بعضهم يريد أن يتحكم حتى في فكر عبيده و معتقده و دينه.. لكن بعد مجيء الإسلام  بدأت سلاسل العبودية تنحل بعدما فتح الإسلام  اقفالها بمفاتيح بعض الكفارات التي توجب على المذنب المسلم شرطاً في التوبة تحرير رقبة، ورقبة هنا تعبير مجازي لأن الله تعالى ذكر الجزء وهي الرقبة وأراد الكل وهو الجسم بأكمله لأن الرقبة لا يمكن أن تفصل عن الجسم،  وهذه دعوة صريحة من الله عز وجل إلى تحرير الناس من العبودية ومنحهم الحرية، حيت جعل الله تعالى كثير من الكفارات تكون سببا رئيسيا في تحرير الناس من قيد العبودية وتذكر منها : ( كفارة القتل الخطأ وكفارة الظهار وكفارة اليمين أو تكون فعل تطوع ابتغاء الأجر والتواب من عند الله، كما جاء في قول الله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ المجادلة الآية 3  وقوله تعالى ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ﴾ النساء الأية 91.
وقوله تعالى ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ المائدة الآية 89.
 وقوله تعالى ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ سورة البلد
أي أن  عتق رقبة مؤمنة من أسر الرِّق تطوعاً يعين العبد يوم القيامة على مشقة الآخرة ويعظم له أجراً.
وقد حبب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الأغنياء منهم شراء العبيد من أسيادهم وعتقهم في سبيل الله.. كما حذر كذلك جميع المسلمين في قوله صلى الله عليه وسلم قال « قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، وذكر منهم « رجل باع حراً وأكل ثمنه » 
وقد كان النبي صلى الله عليه يحب أن يعتق العبيد من الرق وينالوا حريتهم من غير مضرة لأسيادهم كتحريرهم بالقوة مثلاً ..  لأن تحريرهم بالقوة يعتبر نوع من أنواع الظلم، لأن فيه سلب لأموال الغير بغير حق حتى ولو كانوا على غير ملة الإسلام ، لأن كل عبد أو جارية أو أمة تساوي قدراً من المال على حساب عملها وقدرتها وصحتها وجمالها وقد اشتراها سيدها بالمال.. فالنبي صلى الله عليه كان  يحب ان ينال العبيد حريتهم وتحررهم من عقد العبودية إلى فضاء الحرية بالعدل والحق.. وخصوصاً منهم العبيد المسلمين ونذكر من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام ساعد سلمان الفارسي رضي الله عنه في التخلص من العبودية ونيل حريته، فقد كان سلمان عبداً عند رجلٍ من اليهود، فذهب إلى سيده يعرض عليه المُكاتبة، فكاتبه على أن يغرس له ثلاثمئة، وقيل: خمسُمئة من صِغار النخل، مع أربعين أوقيّة من الذهب، ثُمّ ذهب إلى النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- وأخبره بما تم الاتفاقُ عليه بينهُما، فأخبر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- الصحابة الكِرام بأن يُعينوه في مُكاتبته، فجمعوا له النخلات وحفروا معه، وكان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يضع النخل في الحُفر بيده، فقال سلمان: « فما ماتت واحدةٌ منهُنّ »    ثُمّ جاءه رجل معه مثل بيضة الدجاجة من ذهب، فأخذها سلمان وباعها، فكانت أربعين أوقيّة ذهباً، ثُمّ أعطاها لسيّده اليهوديّ، وحرّر بها نفسه من رق العُبوديّة.                                                    وكذلك روي عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يشتري العبيد ويعتقهم لوجه الله يرجو التواب من الله في الأخرة ولقد أعتق خيار الصحابة منهم بلال وخباب وغيرهم، وقد ثبت عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال « متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا ».
لتبقى الحرية في كل زمان ومكان مطلب إنساني يأتي في الدرجة الأولى بكل أنواعها وأشكالها ومنها الحرية الجسدية  والنفسية والفكر وحرية المعتقد  وحرية الدين .. سواء كانت هذه الحرية فردية أو جماعية أو  قبلية أو قومية أوحرية الشعوب.. لكن الإسلام قيد هذه الحرية بضوابط شرعية بحيت أن هذه الحرية لا تخرج عن الأخلاق و العدل إلى الظلم  ولعلى ظلم العبد لنفس يعتبر من أشد انواع ظلم و ليس له عذر الله الذي نهى العبد عن ظلم نفسه أو غيره.. وكذلك لا يجوز أن يؤدي بحريته غيره بالفعل أو السلوك أو بالسخرية أو بالإغواء ولعلى الإغواء بالجسم والكلام يعتبر سلوك خارج عن حرية الفرد إلى حرية الغير.. لأن  هذا الفعل القبيح ألا أخلاقي سيؤثر على الغير.                                                   ونحن نقول أن الحرية يحب أن تكون مقيدة بضوابط الشرع لكي لا تصبح تسيباً وفساداً في الأرض بدعو حرية التصرف في الجسم والنفس والمال حسب الهوى وما يدعو إليه الشيطان من نشر الفاحشة بين الناس.. وما نشاهده الآن في عصر الإسلام وزمن الهرج والتفاهة ما بعد الحداثه والعولمة من انتشار العري في الشوارع باسم الحرية الفردية.. نساء عاريات كاسيات ومترجلات ورجال وشباب متشبهين بالنساء في شكلهم.. وغير ذلك فإنه يعتبر تعد ظاهر على الحرية الفردية والدينية ونفسية.. إلى حرية الغير لأن هذا الحال والفعل والسلوك يؤدي غيره من الناظرين نفسياً واجتماعياً.. حيت يجد المتلقي نفسه في صراع مستمر في الشارع مع الشهوات والفواحش التي تلتطقها عيناه بإستمرار وتسمعها أذناه.
وأقول ان الذين يؤدون المؤمنين والمؤمنات بسلوكهم وأفعالهم وأقوالهم  وإغوائهم لهم بأجسامهم الشبه عارية.. بأسم الحرية الفردية.. ولا يستحيون فإن الله عز وجل وعد هذه الفئة بالعذاب الشديد في الأخرة كما جاء في قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ النور الآية 19. 
أما حرية  الشعوب في الدفاع عن حريتها ضد كل عدو مغتصب للأرض مهلك للحرث والنسل الذي يسعى في الأرض فساداً.. فقد أذنَ الله عز وجل للمظلومين بقتال هذا العدو الظالم كما جاء في قوله ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ الحج الآية 39. 
لهذا أقول أن الإسلام دين الحرية وأن الحرية اشكال وانواع  وكل حرية تعدت إلى حرية الغير أو ضرت الغير .. فإنها تعتبر أمر مرفوض شرعاً والقاعدة الفقهية تقول " لا ضر ولا ضرار " لهذا فإن لكل إنسان  الحق بالتمتع بالحرية بدون قيد ولا شرط لكن في حدود  المعقول  وألا يخرج إلى لا معقول و ألا يصدم بحريته الدين وكذلك الحرية الفكرية والإبداعية والنقدية يجب أن  تكون منحازة إلى العدل والحق .. لا إلى فصيل معين.
وفي الختام اقول:
كل حرية فكرية ونقدية..  إنحازة إلى فصيل معين وليس للعدل فإنها تعتبر نوع من أنواع العبودية لهذا الفصيل المعين وهذا يعتبر دعم للفساد والباطل.. ولا يعتقد هذا المنحاز لفصيل معين وليس للعدل أنه حر بل أنه عبد ليس بمفهوم العبودية القديمة وإنما هو عبد بمفهوم التبعية الفكرية والسياسية... التي أساسها الطاعة العمياء.. وهذا من ابشع أنواع التبعية التي يتحول فيها الإنسان من العقل إلى لا عقل لتصدق عليه نظرية " عقلية القطيع " لتبقى حرية الإنسان معلقة بين العدل والإنحياز  في جميع الأزمنة و أيهما غلب فذاك.
بقلم : الشاعر والكاتب والناقد والباحث أحمد أحبيز 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وصال الهمس

وصال الهمس لست ارى الحب الا مؤنس                  له ثياب مزركشة إشعاع الشمس  و قد شرق حين ولى الهوى                  بدأنا نناقش حبات من ال...