« فإذا بالموت يقصره »
لا يأمن مكر الدنيا إلا جاهل
ولا يطمئن لحاله إلا عاجز ومتمني
فلا شيء يبقى على حاله لا شيء..
فلو كانت الأحوال باقية
لبقيت أحوال من كان قبلنا
فما أكثر الجَهلَ والجهال في هذا الزمان
زمن الفتنة والهرج والتفاهة...
فإن كان العمر والرزق والموت قدر
فالقدر أجل لا يزاد ولا ينقص
قد كُتبَ في بطون الأمهات ثم ختم
فلا يدري الإنسان متى نهايته
وبأي سبب وأرض سيكون مصرعه
كنا نظن أن الطريق لا زال طويلاً
فإذا بالموت يقصره.
كنا نظن أن الطريق لا زال طويلاً
ولم نعلم أن طريق الموت والأخرة
الذي نمشي فيه جميعاً طوعاً وكرهاً
لم يبقى منه إلا بضع أمتار
و بضع خطوات وبضع ساعات
وما العمر إذا طال أو قصر إلا ساعةً
أليس يقال للأموت كم لبثم في الأرض
فيقولوا ما لبثنا إلا ساعة من نهار
ولم يقولوا لبثنا سنيناً طويلا وشهورا.
لتعلم كم هو العمر قصير جداً
وكم هي أماني الإنسان طويلة جداً
كنا نظن أن الطريق لا زال طويلاً
فإذا بالموت يقصره.
جاء للإنسان الأمل فأنساه أنها تأتي بغتة
وإذا أتى الموت لا ينفع مال ولا بنون
إلا تقوى الله فما خلا من الدهر
فما من أحد مخلد فيها
ولو حرص على نفسه كل الحصر
بل الموت يأتيه أينما كان..
ولو كان في ركن شديد..
يصعب على المرء بلوغه..
فالموت لا يحجبه عن المرء حاجب..
لا أبواب موصدة ولا حرس مسلحة
ولا جنود محيطة به من كل مكان
ألم يقل الله تعالى ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾.
فإذا كنت حريص على حياتك وديناك
فعلم أن حياتك تبدأ بعد موتك
ألم يقل الله ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
فخير الناس من كان عمله وعلمه يرجو به الآخرة
وشر الناس من كان عمله وعلمه يبتغي به الدنيا
كم من أناس كانوا بينا..
وفي لحظة أخذهم الموت في غفلة
لم نكن نفكر أنهم سيرحلون عنا ولو مزاحاً
ولم يكون يعلمون أن وقت رحيلهم قد حان
بين غمضة ولمحة بالبصر رحل من رحل
رحلوا ولم يودعوا أحباءهم
رحلوا عند رب غفور رحيم
فاستغفر لهم وسألوا لهم الرحم
ليسألها لكم من عَمَرَ خلفكم
فالإنسان خلق ليموت
والموت أتن فلا تغفل..
فكلنا مذنبون..
كلنا مخطئون..
كلنا ضعفاء..
فالتوبة ، التوبة يا عباد الله.
كنا نظن أن الطريق لازال طويلاً
فإذا بالموت يقصره.
فلقد أحزننا رحيلهم بغثةً
رحلوا ولم يودعوا أحباءهم
فهل بعد رحيلهم وداع ..
كنا نظن أن الطريق لازال طويلاً
فإذا بالموت يقصره.
فأقصر من الأماني وعمل لأخرتك
فإن الدنيا أرض حرث وزرع للأخرة
فاحرث وزرع كل خير وسقيه بالصبر
فإن العمر قصير والجزاء عظيم..
كنا نظن أن الطريق لازال طويلاً
فإذا بالموت يقصره.
بقلم: الشاعر والكاتب والناقد والباحث أحمد أحبيز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق