الكرسي الفارغ
في حي البحٌارة من مدينة بنزرت العتيقة، كان يعيش رجل يُدعى عامر، معروف بانعزاله عن الناس. كان يخرج فقط لقضاء حاجاته، ثم يعود إلى بيته الصغير، لا يتحدث مع أحد، ولا يشارك في المناسبات. وكان يعتقد أن الناس سبب في وجع القلب وكثرة المشاكل، فاختار الوحدة راحة له.
في أحد الأيام، بينما كان عامر يجلس في حديقة الحي، جاء طفل صغير يحمل كيسًا من الخبز وألقى التحية. تردد عامر قليلاً، ثم ردّ على مضض. جلس الطفل على الكرسي المجاور له وبدأ يتحدث عن يومه في المدرسة، وأصدقائه، وحتى قطته المريضة. كان يتحدث بحماس بريء، و عامر يستمع بصمت.
مرت الأيام، وبدأ عامر يلاحظ أنه ينتظر قدوم الطفل كل مساء. لم يكن يعلم اسمه حتى، لكنه كان يشعر بشيء دافئ في قلبه كلما جلسا معًا. ومع الوقت، صار يبتسم عندما يراه، ويروي له بعضًا من ذكرياته.
وذات مساء، لم يأتِ الطفل. جلس عامر على الكرسي كعادته، لكن الكرسي الآخر ظل فارغًا. شعر حينها بوحدة حقيقية، ليست تلك التي اختارها بنفسه. وفي الغد، ذهب يسأل الجيران عنه، فعرف أن الطفل مرض ويمكث في المستشفى.
اشترى باقة زهور و حلوى و كتاب للأطفال و قصد المستشفى لزيارته.
في تلك اللحظة، فهم عامر أن الاختلاط بالناس ليس ضعفًا، بل حياة. وأن الوحدة التي لا يشاركك فيها أحد، ليست راحة، بل عزلة قاسية.
ومنذ ذلك اليوم، بدأ عامر يشارك في مناسبات الحي، ويساعد الأطفال، ويجلس كل مساء في الحديقة، على الكرسي الذي لم يعد فارغًا أبدًا.
بقلمي عبدالفتاح الطياري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق