السبت، 5 أبريل 2025

عطر الأرض

عطر الأرض   

لا مبرر يدعوني للتوقف.سأظل أتابع سيري إلى أبعد المديات
 أعدو نحو كل الوجهات ، وأنا أسرع من الريح.أبحث عن عطر يدلني على ذاتي .
ربما تمطر سماء انتظاري ،وتتفتح بعض شتلات حلمي، فتضيء ليلي بعطر النهار.
قلبت أوراقي واستحضر ت الذاكرة.عاد بي الزمن إلى البدايات ، ورحت أسرد لذاتي بعضا مما علق بذهني.
في ذاكرتي تنام أحلام الصغار هكذا بدأت أحدث نفسي.
ومضيت في بوحي أسرد بعض المحطات.
 بيت شاسع من طين مدكوك يتوجه نحو القبلة؛  ضمنا ونحن  أطفال صغار نتسابق ، يحتضننا فيه دفء المكان، وورع الأهل. 
شجر سدر نلعب حوله لعبة الأبطال لكن بسلاح المحبة.حفرة نمر بجانبها في حذر. غير بعيد من ذلك المكان،   دور من طين مدكوك بأبواب خشبية  واسعة تزينها  نقوش محفورة أو بارزة. وكل ذلك يحيل على ثقافة بصرية عريقة،  تجمع بين جمالية المعمار وحرفية البنائين .
أطلال بناية عصف بها الزمن،ساكنوها لم يعد لهم من أثر .نخشى ليلا حتى النظر الى ما آلت إليه.
يقولون إن سكانها أصبحوا من غير البشر بعد ان هجرت لعقود. لم يكن احد منا يتجرأ الدخول إلى ما تبقى منها.. انه الخوف من الفضاء المهجور، ونصيحة الكبار أن لا نقرب من ذاك الفضاء الصامت ،لسبب أكبر من أفكارنا في ذلك الوقت.
صوت اللقالق المتعالي وهي في أعلى قمة البناية الملاصقة للمسجد الذي تحتمي به وكانها تتعبد في خشوع.
طلة طائر الهدهد بريشه الزاهي من كوة في بناية مجاورة، وهو الزائر الحاضر الغائب كأنما يتفقد أحوال من راحوا ومن بقوا. يدهش بألوانه، وبغموضه،وأوقات ظهوره.
في ذاكرتي لا زال يسمع صوت فقيه الدوار بصوته الجهوري وبسحنته التي يعلوها الوقار. أطفال يجتمعون تحت شجرة زيتون ضخمة، يحملون ألواحهم ويتلون ما سطر بها من آيات،اغلبهم صار حاملا لكتاب الله،وبعضهم هاجر إلى فضاءات تغيرت فيها سبلهم وأحوالهم وربما انتماؤهم إلى فضاء نشؤوا فيه سنوات.
لا شيءاطيب من رائحة الطين حين تبلله قطرات الغيث. ولا لوحة تعدل منظر النساء وهن يحملن الجرار على ظهورهن بأزيائهن التقليدية.
رجال دأبوا على التجمع بعد العصر في فضاء مفتوح تزينه صخور ملساء بلون فاتح. يتجاذبون أطراف الحديث عن واقع الحياة المرتبط بأجواء الدوار ومحيطه وأوليائه ،  وتاريخ الذين رحلوا وتركوا بصمات تتحدث عنهم.
غثاء المواشي  لحن يتردد باستمرار كأنه نشيد رعوي يؤثت المكان في قالب سمفوني يتخطى حدود الصور التعبيرية.  روائح الخبز الذي يطهى في أفران تقليدية  من الطين يشكل عطر المكان الذي تشتم روائحه من بعيد.
أصوات المناسج  تحدث لحنا يطرب الأسماع ؛ وأصابع النساء تلامس الخيوط المتشابكة في حركات تتراوح بين اليمين واليسار  .خلالة تدك خيوط الصوف وترصفها  بألوانها في حرفية واضحة ، وهمهمات النساء وأدعيتهن تعلو بالفلاح والنجاح في حياكة جلباب أو فرش أو غطاء صوفي .
 لا يقطع تلك الحركات  والمواويل الطربية التي تتغنى بها النساء بالأمجاد ، إلا صوت الآذان أو قراءة القرءان جماعة في المسجد الوحيد محدثا صدى روحانيا يسمع من مسافات بعيدة.
إنها أنوار من الماضي حطت على شغاف القلب محدثة أثرها،  كمحطات لم يستطع الزمن أن يمحوها من الذاكرة.
فلا مبرر يدعوني إلى عدم التوقف عندها، وهي جزء من تشكيل الذات التي وإن تغيرت ملامحها ، إلا ان  حضور بعض شتلات غراسها لا تزال تفوح بأنفاس عطر الأرض المميز
للمكان سحره ووقعه. ومن بين تلافيف الزمن تنبعث المشاعر، مستحضرة أسرار العشق الأبدي الذي ظل ملازما للذاكرة، رغم مرور السنين الطوال.
فكيف لرائحة التربة أن يظل شذاها حاضرا؟. وكيف ما زال النبض يدق منتشيا بالانتماء إلى فضاء تنمو فيه حكايات الزمن الجميل الذي لم تغيبه التقلبات؟.

المختار السملالي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشوق عليل . بقلم ذكريات وقوافي نوفليات

الشوق عليل  ‏أنا التغريبة مساري وفي  ‏وطني القلم لن يصبح رفات  ‏من تحت الركام سطر الأحرار  ‏الواح الفخر كأنها بيد نحات ‏تفيض العيون بالدمع و...