الخميس، 27 مارس 2025

أوفى من السموأل

الشعراء 
 أحفاد ابراهيم الخليل 
أوفى من السموأل
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه/ فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها/ فليس إلى حسن الثناء سبيل *
غادرنا، أنا وعلاء الدين باريس... في سفر... في ليلة مظلمة فلم نر أين القبلة... ركبنا الحمراء بغرناطة والقرويين بفاس وجامع عقبة بالقيروان ومكتبة الإسكندرية العظيمة... وحلقنا فوق بغداد المستديرة أين تباع الكتب على الرصيف... وانتقلنا والضباب يرافقنا حتى صنعاء أرض امتزاج الثقافات و ممارسة الشعائر دون قيود. أدخلني علاء إلى غار ومد لي وثيقة من بين الصخور ويفترض أنه الخط الهمايوني الذي صدر عام 1856 هو أول وثيقة ساوت بين المسلمين وغيرهم من مواطني الدولة.
كلماحلقنا على بلد إلا وردد مقطعا من عزفه: كانوا هنا؟
ضحكت وسألته من هم؟ هل كان في القديم، عرب مسيحيين وعرب يهود؟ لم يرد علي.
فلما أصبحنا وطلعت الشمس حطت سجادتنا في موقع أثري بتيماء... وقال لي هذا ما تبقى من قصر السموأل... وأنطلق يغني ما بين نجران ويثرب فاح عطر العرب بورود كل المعتقدات من شعراء الضاد. طاف الواحة وقال هذا مقام الشاعر الذي أردت إن تعرفه هو وأترابه من شعراء العرب القيمين.
إن الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعني يا هذا تهتدي. *
أوفى من السموأل... ربما قد سمعت بهذه العبارة -يوما ما-.  السموأل من أشهر شعراء العرب، واسمه هذا معرب عن صموئيل بالعبرية. 
و أكرم من حاتم الطائي؟ المسيحي
وأشجع من عنترة؟ المسيحي كذلك. 
قفلنا من سفرنا وكنا بقرب مكة فنوينا الحج...
أصداء الشرق حملت الريح الشرقية ومعها الكلمات القديمة المنسوجة من النور والرماد مررنا بقرية صغيرة على يسار الطريق بها حصن ومسجد وعين ماء حلوة ونخل، "حداء" أين يقطن خليطا من الناس والقبائل المتعددة وقيل إنها سميت بهذا الاسم من صوت الرعاة وأهل الإبل والمسافرين، حينما يجرون أصواتهم لمواشيهم أو انتعاشا لسفر أو حصاد موسم قادم فيه الحياة لأهل البادية... هنا كتب العرب أساطيرهم، عاش السموأل، الشاعر العربي اليهودي الذي غمس قلمه في حبر العصور. كان يتسلق -كل صباح-  التل الذهبي مع شروق الشمس، ويجلس تحت شجرة التمر، ودفتر ملاحظاته في يده.*
كانت كتاباته أغنية حب لأرضه، كان يمزج مزامير الكتاب المقدس مع الآيات العربية الفصحى لقد كان وريث سلسلة طويلة من الشعراء العرب يهود و مسيحيين ومسلمين، مثل إيليا أبو ماضي وخليل جبران، وأنور شاؤول العراقي وليلة كرينيك الفلسطينية الذين تغنوا -ذات يوم-  بالمنفى والحب والبحث عن الإلهية.
لكن في يوم خريفي، بينما كانت أشجار الزيتون ترتعش مع النسيم، شعر صديقه عدي بن زيد العبادي بألم شديد. لعدة أشهر، ترددت أصداء الفوضى في شوارع القرية وحتى في الجبال: ظلال الحرب تطول. ومع ذلك، فقد رفض الاعتقاد بأن جمال الكلمة يمكن أن يكتسح بالعنف. وتذكر جده، وهو كاتب راهب كان قد ترجم قبل قرون القصائد السريانية للمسيحيين الشرقيين الأوائل إلى اللغة العربية. لقد رأى في لغة القرآن معرضا للإيمان والشعر، وجسرا بين العالمين. شعر عدي بنفس المهمة... الكتابة للتواصل، والكتابة من أجل البقاء. وفي المساء على ضوء مصباح الزيت قال هذه الأبيات:
بين أذان المؤذن وصوت الأجراس/ لغتي نهر تختلط فيه المصادر. 
لتكن قصيدتي معبدا ومئذنة/ أغنية السلام في خضم الحروب.
عندما اندلعت الحرب، اضطر عدي إلى الفرار، تاركا وراءه مخطوطاته. لكن أشعاره التي حملتها ريح المشرق وجدت ملجأ في قلوب الجمهور. لأن الشعر مثل أرواح الناس لا يموت أبدا.
صار عدي العراقي رحالة العصر الجميل يلهث باحث عن الكنوز الغابرة من التراث العربي بين الأندلس و الخليج.
قال لحارس سجنه والدمع يغمر عينيه... مررت بالقدس وإذا بتاجر مدٌني بوثيقة كتبها مجهول عن الشعر العربي المتعدد الهويات...قد خفت من  أن يغتصبها الموساد عنفا ويحرفون التاريخ مثلما فعلوا بهيكل سليمان... و سلمه مخطوطة مكتوبة باحرف كوفية ثم دنا منه وهمس:
كن كالسموأل أمين وفي...
بقلمي عبد الفتاح الطياري 
تونس 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشوق عليل . بقلم ذكريات وقوافي نوفليات

الشوق عليل  ‏أنا التغريبة مساري وفي  ‏وطني القلم لن يصبح رفات  ‏من تحت الركام سطر الأحرار  ‏الواح الفخر كأنها بيد نحات ‏تفيض العيون بالدمع و...