الاثنين، 24 مارس 2025

فجر الاستقلال

فجر الاستقلال 
الجزء الثالث: ربيع بلا زهور  
في شتاء 2011، عندما هرب الرئيس، احتشد الشباب في الشوارع، مرددين شعارات الحرية والكرامة. كانت البلاد حينها شمعة مضيئة وسط ظلام الاستبداد العربي، وأملًا لأولئك الذين حلموا بدولة ديمقراطية عادلة.
في قلب العاصمة، كان "أيمن"، شاب في منتصف العشرينيات، قد شارك في المظاهرات منذ يومها الأول. كان يحمل لافتة كتب عليها: "الشعب يريد الكرامة قبل الخبز". كان يؤمن أن الثورة لم تكن فقط لإسقاط النظام، بل لبناء وطن جديد يُحترم فيه الإنسان، ويُحاسب فيه الفاسد.
مرت السنوات، وجاءت انتخابات بعد انتخابات، وتحولت الساحات الثورية إلى قاعات برلمانية، وبدأت الأحزاب تتصارع على السلطة، بينما ظل "أيمن" يبحث عن العمل بلا جدوى. الشركات الكبرى لا تزال بيد عائلات نافذة، والمحسوبية تحكم التعيينات، والفساد لم يمت، بل ارتدى أقنعة جديدة.
في أحد الأيام، وقف "أيمن" أمام مقهى في وسط العاصمة، يراقب مجموعة من السياسيين السابقين، بعضهم كان في نظام الرئيس السابق، يجلسون في طاولة واحدة مع رجال أعمال استفادوا من الثورة ليُعيدوا إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة. شعر بغصة في حلقه. هل هذا ما مات من أجله أصدقاؤه في الثورة؟ هل هذه هي الحرية التي حلموا بها؟
بحلول عام 2023، كانت الأوضاع الاقتصادية أسوأ من أي وقتا مضى. البطالة ارتفعت، الدينار فقد قيمته، والمستشفيات لم تعد تستقبل المرضى إلا بشق الأنفس. كانت النخبة السياسية مشغولة بمصالحها، بينما الناس يبحثون عن تأشيرة للخروج من البلاد.
ذات مساء، جلس "أيمن" مع صديقه "سيف"، الذي كان يخطط للهجرة عبر البحر، وقال له ساخرًا:
تذكر يوم كنا نهتف: الشعب يريد؟ يبدو أن الشعب لم يكن يعرف ماذا يريد حقًا.
ضحك سيف بمرارة وقال:
بل كنا نعرف... لكنهم جعلونا نندم لأننا حلمنا.
في اليوم التالي، انتشرت أخبار عن قارب غرق في المتوسط، كان يحمل شبابًا من تونس هربوا من وطن لم يعد يشعر بهم. فتح "أيمن" هاتفه، رأى أسماء الضحايا، بينهم كان "سيف".
أغمض عينيه، شعر ببرودة في قلبه، وكأن الربيع الذي حلم به لم يكن سوى خريف آخر
بقلمي عبدالفتاح الطياري 
تونس 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارسم هوايا ومهجتي .. بقلم أ. لمياء العلي ...

ارسم هوايا ومهجتي  كحلم على ورق الشجر نداه يطبب دمعتي وتاج وضعته كالبدر يضيء ظلامي بالدروب ونقش عشقه في الصدر وألف آه على دمعتي لما أفيق على...