* ...حديث الجذع المشطور...*
حدثني عجوزٌ غريبٌ
يحشو أنينه في عكازه
ويتوكأ عليه كظلٍّ هائم،
ويجرُّ هامةَ العياء
كما يجرُّ نعشَه في الضوضاء:
يا ابنَ التراب،
لِمَ نحفرُ القبرَ بأيدينا،
ونغرسُ فيه خطانا؟
لِمَ نخلعُ الشمسَ
عن كتفِ السماء،
ثم نلعنُ العتمةَ في الخفاء؟
لِمَ نُمجّدُ القبورَ أكثرَ من أرواحنا،
ونحتضنُ العزلةَ على ضيقِ آمالنا؟
لِمَ نحني رؤوسَنا
تحت ثقلِ الأيام،
ونُحمِلُ جرحًا
صامتًا على الدوام؟
لِمَ نحضنُ آلامَنا
كأنها مأوى،
ونزرعُ في الصمتِ خيباتِنا؟
لِمَ نكنسُ الدربَ من عطرِ البراري،
ونُقيمُ بين الغبارِ حياةَ الصحاري؟
لِمَ نرشُّ رخامًا على التراب،
ونقفزُ على الأملِ اليباب؟
لِمَ نُرتّلُ رثاءً فوقَ النعوش،
ونخنقُ مَن يجرؤ أن يعيش؟
لِمَ نموتُ… نحيَا… نموتُ…
وكلُّ حياةٍ فينا قبرٌ وتابوت؟
مَنْ نكون؟
---
قلتُ:
نحنُ سادةُ الليل،
نُتقنُ وأدَ النهارات،
ونرضعُ عتمتَنا
فوق حدِّ الفطام..
ولا فصام...
نُعلّقُ أمنياتِنا
تحتَ سقوفٍ واطئة،
ثم نسبُّ الأديمَ إن ضاق.
نحبُّ اليأسَ
يشقُّ جذعَنا،
ونكرهُ شعاعَ الفجرِ
حين ينبثقُ منا..
نخافُ الوردَ إن نبتَ حرًّا،
ونُفضّلُ الحجرَ إن خرسَ طوعًا.
نجلِدُ جوعَنا
برغيفٍ مصلوب،
ونبيعُ عطشَنا
في سوقِ السراب.
نجيدُ رثاءَ الموتى،
ونخسرُ نشيدَ الأحياء.
نخيطُ أقمشةَ الموتِ
على أطرافِ قصيدتِنا،
حيثُ تلفظُ الكلماتُ أنفاسَها،
وتغرقُ في يمِّ الغياب،
ولا عتاب.
نحنُ قومٌ تودّعُ نفسَها..
كلَّ ليلة....
وفي الصباحِ...
تبحثُ عن موتٍ جديدٍ لتحيا به،
وتنهض…
لتشرق…
من بقايا اللاشيء...
بقلم:
أحمد لخليفي الوزاني
"شاعر وزانسيان"
جميع حقوق النشر محفوظة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق