الأحد، 29 يونيو 2025

الساعة الخامسة والعشرون

-(الساعة الخامسة والعشرون )-
كانت مدينة لا تشبه المدن هي أشبه بكائنٍ  يتنفّس في الظّل ويصمت في الضوء،يخبّئ أحلامه مخافة العقاب، يردّدُ في سرّه أغاني السنابل وترانيم الينابيع والمروج.
في العلن يقول كلمات لا يصدقها ويرتدي أثواباً غادرها اللون والبريق ويروي حكايات لا يفهمها.
كلّ يومٍ وفي تمام الساعة الخامسة والعشرين تنهض المدينة كما أُمّ تتفقّد أبناءها النائمين، تغطي احلامهم بدفء الأمنيات وتجعل من روحها سدّاً يصدّ الريح.
في تلك الساعة لا يُسمَعُ الا همس الأرصفة وابتهالات الحدائق والساحات، تبدأ المدينة بترقيع أحلام أبنائها بإبر من نور،تزيل الغبار عن وجه الساحات وأوراق الشجر،تنثر قطع النهار فوق جبين الليالي وتزرع الأمل في الحفر الصغيرة على الطرقات.
على زاويةٍ من الحلم يجلس سالم على درج حجري قديم يراقب المدينة وهي تتقمص دورها الخفي ويهمس لعصفورة تأتيه كل ليلة مرتدية فستان صبية فاتنة وتحمل اوراقا كُتبت عليها قصائد عن الحبّ والربيع.
يقول سالم لعصفورته : هل ترين .. هاهي المدينة تكنس الشوارع وكأنها تعرف أننا سنمشيها معا ذات فرح.
كانت العصفورة روح فتاة طارت من حزن قديم وجعلت من السماء بيتاً.
في قلب المدينة مبنى لا يحمل اسماً يدخل اليه المترفون ليتخلصوا من بقاياهم ..خصلات شعر طبيعية .. رموش حقيقية وليلصقون على الجدران أمراضهم وطمعهم وخيالاتهم.
في الطابق السفلي عجوز صامتة تجمع خصلات الشعر والرموش وتصنع منها مكانس توزعها على المغامرين النبلاء من ابناء المدينة ليزيلوا الغبش والكذب عن وجه الحقيقة وخدود الورد والمرايا .
تقول العجوز بصوت يشبه ارتجاف الحنين:
فلنكن سعداء رغم كل هذا السواد وقسوة الزمن.
تحت نافذة سالم شجرة لا تزهر،يقول الحكماء انها لا تثمر لان من كان يغني لها رحل منذ عشرين عاما لكنها كل ليلة تحرك أوراقها وكأنها تصفّق للمدينة حين تردي ثوب الطهارة حتى لو  في ساعة زائدة عن الوقت .
متى سيأتي العيد الأكبر عيد الثلاثين من شباط يسأل سالم عصفورته .. فتجيب
حين لا يكون الجمال ترفا والبراءة سذاجة والنزاهة حماقة . أضافت وهي تطير نحو الشمس: حين يصير المستحيل شائعا سيولد ذلك اليوم.
يلتقط سالم ورقة تركتها العصفورة كُتِب عليها
في آخر الزمن هناك ورقة فارغة لا يمكن لأحدٍ أن يكتب عليها الا المدينة ، وذات ليل وبينما تغادر العصافير والأمنيات اقفاصها وتحتفل الأشجار بعيد الإثمار وتتزيّن احلام الفقراء  سكتب المدينة بخط من نور:
اليوم هو الثلاثون من شباط
زهير علي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق