الجمعة، 2 مايو 2025

عمال المناجم

عمال المناجم 
أشعل رمزي سيجارته الأولى في انسياب مع ارتشاف القهوة وأطلق ذهنه في البحث عن مخرج من هذه المهمة العصيب... تتدفق الأفكار والخواطر والذكريات... فهو وريث حمل ثقيل... معاناة عمال المناجم أين تم طرده من منجم الفحم لأنه نقابي مثلما كان أبوه قبل ما يموت في نفق يبعد عن سطح الأرض ستمائة متر. إنه يعاني من الإحباط المزمن جعله يعجز عن وجود عمل في بلدته المنجمية. بلدة صغيرة تحيط بها الجبال، كان المنجم هو مصدر الرزق الوحيد لأغلب العائلات. كل صباح، ينزل العمال إلى أعماق الأرض، يواجهون الظلمة والرطوبة والخطر بصبر لا يلين، بحثا عن الفحم والمعادن التي تعني لهم لقمة العيش. من بين هؤلاء العمال، كان  "حسن"، معروفا بشجاعته وطيب قلبه. كان دائما أول من يدخل النفق وآخر من يخرج، يساعد الضعفاء، ويشجع زملاؤه على الاستمرار رغم المشقة. في أحد الأيام، بينما كان فريق من عشرة عمال يعمل في نفق عميق، انهار جزء من السقف بسبب انفجار داخلي مفاجئ. امتلأت الأنفاق بالغبار، وانقطع الاتصال مع العالم الخارجي. بقي العمال محاصرين في الظلام، لا ماء ولا طعام، والخوف يحيط بهم من كل جانب. في البداية، ظن كثير أنهم لقوا حتفهم، خاصة أن المنجم معروف بخطورته وافتقاره لمعايير السلامة. لكن المفاجأة حدثت بعد عشرين يوما، حين تمكنت فرق الإنقاذ من إرسال مسبار صغير عبر حفرة ضيقة إلى داخل المنجم، لتتلقى منه رسالة .مكتوبة على ورقة صغيرة: "نحن بخير في الملجأ، الأربعين.
لكن حسن لم يسمح لليأس بأن يتسلل إليهم. أشعل مصباحه الوحيد، وبدأ بتنظيم العمال، يوزع عليهم الهواء، ويبحث عن ممرات بديلة. لمدة يومين كاملين، قاد حسن المجموعة عبر الممرات الضيقة، حتى سمعوا أخيرًا صوت فرق الإنقاذ يحفر من فوقهم.
خرجوا إلى النور، مرهقين، لكنهم أحياء.
خرج الرجال من تحت الأرض أقوى من ذي قبل، وأصبحوا رمزًا للصمود والتضامن الإنساني، كما أصبحت قصتهم مصدر إلهام للعديد من الكتب والمسرحيات و الأفلام. 
أصبح حسن بطلًا في بلدته، ليس فقط لأنه أنقذ زملاءه، بل لأنه أثبت أن الأمل يمكن أن يضيء حتى أعتم الأعماق.
مرت سنون وهرب رمزي من ظلم البلدة وعصابات المهربين وعذاب الضمير. عمر العمال يحترق مثل عمر السيجارة كل جسد يحمل ما يغنيه عن الاهتمام بالآخرين إلا هو... ابن المناجم لبث يعيد صور الماضي الجميل. كانوا متحدين صامدين فوق وتحت الأرض حتى يوم خروج جثة أبية مشوهة حينها تغير كل شيء... مات مجهول بين ضحايا الاستبداد والاستعباد أما طغاة الاضطهاد فقد عظم شانهم عند سادة القوم الحاكمين.
بقلمي عبدالفتاح الطياري -تونس 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق