الاثنين، 12 مايو 2025

المسمار الأخير .. الجزء الاول العزيمة

المسمار الأخير
الجزء الاول العزيمة
كان "سامي" شابًا سريع الغضب، لا يطيق الانتظار ولا يتقبل النقد. في كل خلاف، ينفجر كالعاصفة، يصرخ ويجرح بكلماته، ثم يندم بعد فوات الأوان. نصحه أبوه كثيرًا بأن يضبط أعصابه، لكنه لم يكن يصغي.
وذات يوم، أعطاه والده كيسًا مليئًا بالمسامير، وقال له: "في كل مرة تغضب فيها وتفقد أعصابك، اذهب إلى سور الحديقة وادق مسمارًا فيه."
في اليوم الأول، دق سامي 27 مسمارًا. في اليوم الثاني 20، وهكذا، حتى بدأ العدد يقل شيئًا فشيئًا، لأنه أدرك أن دق المسامير عملٌ مرهق، وأن كبح الغضب أسهل بكثير. وبعد أسابيع، مرّت أيام دون أن يغضب فيها، فأخبر والده وهو فخور بنفسه.
ابتسم الأب وقال:  "الآن، في كل يوم لا تغضب فيه، انزع مسمارًا من السور."
ومرت الأيام، وبدأ سامي ينزع مسمارًا بعد الآخر حتى فرغ السور. فرح، وركض إلى والده يخبره.
أخذه والده إلى السور، وأراه الثقوب التي تركتها المسامير، ثم قال: "أحسنت يا بني. لقد تعلمت التحكم في غضبك، لكن انظر إلى هذا السور... كل مرة غضبت فيها، تركت أثرًا. الكلمة الجارحة، حتى إن اعتذرت، تترك في القلوب ندبة لا تُنسى بسهولة."
صمت سامي طويلًا، وقد فهم الدرس تمامًا. ومنذ ذلك اليوم، صار شخصًا مختلفًا... أكثر هدوءًا، أكثر حكمة، وأقل ندمًا.
الغضب لحظة، لكن أثره قد يدوم عمرًا. الكلمة مثل السهم، إن خرجت لا تعود.
احفظ لسانك، تحمّل لحظات الانفعال، وستكسب قلوبًا لا تُعوّض.
الجزء الثاني 
"ثقوبٌ تُصلَح"
مرت سنوات، وأصبح "سامي" شابًا ناضجًا، يُعرف في حيه بالهدوء والحكمة. عمل معلمًا في مدرسة ابتدائية، وكان الأقرب لطلابه، لأنهم كانوا يشعرون أنه لا يوبخهم كما يفعل غيره، بل يفهمهم ويصبر عليهم.
وذات يوم، لاحظ أن أحد طلابه، اسمه "رائد"، يتصرف كما كان هو في صغره: سريع الغضب، يصرخ في زملائه، ولا يقبل الخطأ حتى من نفسه. فابتسم سامي بأسى، وقال في نفسه:  "لقد رأيت هذا الوجه من قبل... كان وجهي."
في آخر الدوام، نادى "رائد" وأعطاه كيسًا صغيرًا من المسامير ومطرقة قديمة. تعجب الطفل، وسأله: "ما هذا؟ أأنت تعاقبني؟"
ابتسم سامي وقال بهدوء: "لا، هذا درس، كما تعلمته أنا منذ سنوات. في كل مرة تغضب، اذهب إلى سور الحديقة العامة قرب المدرسة، وادق مسمارًا فيه... وسنتحدث بعد أسبوع."
نفذ "رائد" ما طُلب منه، متعجبًا في البداية، ثم مستغربًا التعب الذي يصيبه بعد كل انفعال. وبعد أيام، بدأ يتغير، شيئًا فشيئًا... تمامًا كما حدث مع سامي.
بعد شهر، وقف "رائد" أمام المعلم وقال: "لقد فهمت... الغضب متعب، والندم أكثر تعبًا."
ربت سامي على كتفه وقال: "أحسنت، ولكن تذكّر دائمًا... ليس فقط أن تتجنب ثقوبًا جديدة، بل حاول أن تُصلح الثقوب القديمة. الاعتذار، الإصلاح، الكلمة الطيبة... كلّها أدوات لترميم ما أفسده الغضب."
ومنذ ذلك الحين، لم يعد سور الحديقة مليئًا بالثقوب... بل غطيت الثقوب برسومات جميلة، رسمها الأطفال في حملة قادها "رائد"، بعنوان: "نحو قلوب بلا ثقوب".
ما نعيشه من دروس، يمكن أن يصبح نورًا نهدي به غيرنا. الحكمة ليست فقط في أن نتغير، بل أن نُسهم في تغيير الآخرين بالرحمة والقدوة.
بقلمي عبدالفتاح الطياري -تونس 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق