تَـــاه المِضْمَار – 1 -
**********
تدلى الظلام في جوف الأرواح
وكنس وهج النور من ودج النحور
ففتل الأيادي البيضاء كساحا ...
ترهلت الحروف بين خطوات التاريخ
وتاه المضمار على أثر العفس ...
أضحى اليبسُ يراود أفواه الأقلام
وغاب رِشقُها...
تمادت عشوائيةُ الأصباغ
ونسجتْ لوحاتِ الوأد
رصاصة طائشة تبحث عن مأوى دافئ
أو دم فائر عافه التراب
أو أنقاض تغطي زخارف البساط
أو هيكل في كهف ندي ينزلق رويدا ...
سبت الليل في الصدور أنينا
طوقت حلكته رقاب الزمن
فاكتسحت بؤر الفجر الموعود...
اعتنق الخوف تراتيل الصمت
شهقة عجفاء ترددت بين تجاويف الصوت
وتشقق الطبل قبل النقر
فرمدت عيون الأمل
تحترق قبل الرشف كفراش النار ...
تشقُّ صرختي كنف المَهد
وينفلت خَلاصي قدَرا
فَتسكنُنِي بوصلة تشدُّ منطادي ....
دمعة ساخنة تحرق سُرَّتي
وأخرى باردة تلفُّني قِماطا
لا أدري متى عَقلتُ نفسي
وتفتتتْ مُناغاتي
ولا متى امتطيتُ جاذبية خطواتي ....
وها أنا أنظر في يمّ عينيك
تعلو أمواجه حصونا عاتية
وتُصَد ثنايا أشواقي التطاما
فيتهشم كبرياء روحي ....
يتهافت رمق البقاء
بين فجوات النحور
يخطف شهقة
جرعة ..
لقمة ..
أو نظرة من هيكل يحتضر....
بنيت من رموشك أشرعة
لم تحجبْ صفيرَ الريح
ومن كحلها
مَاعتْ أصباغ العشق
وكُسِّرتِ المراوِدُ في جحر الوجد ....
وعند شواطئه شفاه
رسمتها ريشة اللحد
قبورا متحركة
بلا شواهد
تخيطها أصفاد من بارود ....
يهيج السواد من يبس الغيوم
فيردم بصمات القدر ...
كيف أقرأ خطوط مجرة انصهرت فتاتا
وأقطف ابتسامة من شفتين يابستين
أو نسمة من أطلال باكية....
تصْرِفُني رياح تفجرت من عمقي
وأداري ...
تصرعني ألوانا
وتنقشني أشكالا
بركانا ... عبوة ...
رصاصة ... كرباجا ...
وتشكلني لافة أحرق جواري
ثم ترديني
ويُكفن غيري ....
تشرَّد الليل ساهدا
يمتطي حلكة أزلية
ويقتفي أثر بصيص
نور شارد
على خد نجمة يبهت طفوحا
وتقطع أفقي سارية
فغربت
ولم تغرب الجفون
من حسرة دمعة تصلبت
على قفا الرموش
ولا من همسة التصق نحرها عِهْنا
فاختنق الريح دبدبة بين الشدقين....
وتاه المضمار
د. محمد خالد الأمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق