الخميس، 27 مارس 2025

ليلة القدر

ليلة القدر 

في الليالي المظلمة الهادئة من شهر رمضان المبارك، ينشغل المسلمون في العالم أجمع بالتأمل والدعاء، بانتظار إحدى أعظم ليالي السنة: *ليلة القدر*. إنها الليلة التي تتنزل فيها الملائكة، حاملين معهم الرحمة والسلام، وفيها ترتفع النفوس وتسمو الأرواح، وكأن الكون بأسره يشارك في هذا الحدث الإلهي العظيم.
تأتي ليلة القدر في إحدى الليالي الوترية من العشر الأواخر من رمضان، وقد أُخفي توقيتها الحكيم من أجل دفع المؤمنين إلى الاجتهاد في العبادة طوال العشر ليالي، كمن يبحث عن كنز ثمين مخبأ. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: 
"تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان."
في تلك الليالي، ترى المساجد مكتظة بالمصلين، الرجال والنساء والشباب وحتى الأطفال يشاركون في صلاة التهجد وقيام الليل، وكلٌ منهم يحمل قلبًا مليئًا بالرجاء والخشوع.
يقال أن الأرض في ليلة القدر تكون مختلفة. الهواء يصبح نقيًا أكثر من المعتاد، والهدوء الذي يلف المكان يشبه السكون الذي يسبق بزوغ الفجر. يُشبه البعض هذا الشعور وكأن السماء تنفتح لتلقي دعوات البشر، وأن كل كلمة تنطق بها الروح تجد طريقها سريعًا إلى السماء.
يُؤمن المسلمون أن هذه الليلة ذات قُدسية تفوق ألف شهر، وأن الأعمال الصالحة فيها تُضاعف أضعافًا كثيرة. الأبواب تكون مفتوحة، وأنت تملك المفتاح: الصلاة، الدعاء، الصدقة، والتأمل.
يرتبط فضل ليلة القدر بحدث مذهل غيَّر مجرى البشرية: نزول أولى آيات القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. كان النبي وقتها يتأمل في غار حراء، بعيدًا عن ضجيج مكة ومشاكلها. فجأةً، جاءه جبريل عليه السلام برسالة من الله. تلك اللحظة التاريخية جسدت بداية النور الذي انبثق ليضيء الطريق للملايين.
"اقرأ باسم ربك الذي خلق."* كانت الكلمات الأولى، دعوة إلى العلم والمعرفة، وإلى التفكر في عظمة الخلق.
تتميز ليلة القدر ببعض الأعمال التي تُعزز من فضلها يرى الكثيرون أن صلاة التهجد في هذه الليلة هي إحدى التجارب الروحانية الأكثر تأثيرًا الدعاء المستمر، الدعاء المحبب للنبي كان "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني، الإكثار من الاستغفار والتسبيح الاعتكاف في المساجد بعض المسلمين يعتكفون في المساجد طوال العشر الأواخر بحثًا عن هذه الليلة المباركة.
ليلة القدر تعلّمنا العديد من القيم:
قيمة العمل والإصرار، حيث أن السعي طوال الليالي العشر يؤكد أهمية الجهد الدائم.
قيمة التواضع والخشوع لله.
أهمية الأمل، حيث يُذكرنا هذا اليوم أن الله قريب، يستجيب دعواتنا حتى في أشد لحظات ضعفنا.
هكذا، ليلة القدر ليست فقط ليلة عبادة، بل هي ليلة تجديد للحياة، تذكير بالعلاقة مع الخالق، وفرصة للنظر إلى المستقبل بنقاء وصفاء. 

الأسعد بكاري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق